الجمعة، 25 أبريل 2008

عن العمامة و القبعة و صنع الله إبراهيم


طبعا صنع الله إبراهيم روائي كبير و معروف.
معروف عنه إنه بيكتب في مناطق سخنة، من النواحي السياسية و الاجتماعية و كده يعني. معروف عنه كمان المجهود التوثيقي الهايل اللي بيقوم بيه ف أغلب أعماله، زي شرف و وردة و بيروت بيروت. معروف عن صنع الله كمان إنه ميال شوية ناحية اليسار، و إنه رفض جائزة مؤتمؤ الرواية في حادثة غير مسبوقة في الوسط الثقافي و الأدبي في مصر على الأقل.
الصراحة لحد وقت قريب جدا، ماكنتش بأحب أغلب شغل صنع الله إبراهيم، لأني كنت بأشوف إنه بيحجم البني آدم بتاعه في البعد الاقتصادي و الاجتماعي و بس، و إنه لغته ناشفة و شبه لغة الجرايد و الوثائق اللي هو بيحضر شغله منها.
بأقول لحد وقت قريب لأني ابتديت، و لو بدرجة ما أبص لشغله نظرة مختلفة، كطريقة خاصة في الكتابة، مش شبه حد، و كمشروع فني و تحريضي و بحثي كمان.
ما علينا، باختصار عجبتني روايته الأخيرة العمامة و القبعة، قريتها ف الأول بدافع الفضول ، لأني بأحب الفترة ده من تاريخ مصر، أقصد فترة المماليك و الحملة الفرنسية و العك ده كله، و بالذات بعج فيلم وداعا بونابرت بتاع شاهين، مع إني نفسي أشوف الفيلم ده مترجم علشان عقدتي القديمة مع الفرنساوي.
طيب، ليه عجبتني رواية صنع الله؟
1 - لأنه مش من السهل أبدا، إن مبدع ، سواء روائي أو سينمائي أو حتى مؤرخ من نوع صلاح عيسي مثلا، إنه يعيد إحياء زمن بحاله بخريطته الاجتماعية و الجعرافية، اتسترا اتسترا اتسترا ، من شوية وثائق و كتب و مراجع، العملية دي من بره نشوفها عادية و سهلة بعد ما يتم إنجازها ، لكن اللي حاول قبل كده محاولة و لو بسيطة من النوع هيكتشف قد إيه هي صعبة و مرهقة و محتاجة مجهود غير عادي .
2- التاريخ مش نص، على رأي ناقد كبير بنيوي مش فاكر اسمه دلوقت، بس ما ينفعش يتمسك إلا في حالته النصية ، يعني مابيفضلش منه غير النص. و المؤرخ دايما يكون شخص مستريح، على الأقل عنده الورق و القلم و الوقت و المكان اللي هيسمحواله بالعملية الخطيرة المتمثلة في تدوين وقائع عصره، و ياحبذا لو كان زي عمنا الجبرتي مستور و عنده أراضي هو ملتزم عليها. بس ماحدش غلبان مسموح له يكتب التاريخ، حتى و لو كان بيعرف يقرا و يكتب و بيرصد كويس اللي بيحصل حواليه. كده مش هيبقى تاريخ، يمكن يبقى حاجة تانية، أدب مثلا أو يوميات، لأنه مش مسنود بسلطة المال و الجاه و المصداقية العلمية الخروية . في رواية العمامة و القبعة صنع الله إبراهيم اختار تلميذ للجبرتي ، نجا من الطاعون بعد ما أهله كلم ماتوا في الصعيد و جه على القاهرة علشان يجاور في الأزهر ، و اشتغل عند الجبرتي و أقام عنده ، المهم إن التلميذ ده بختار إنه يدون أيامه زي ما بيعمل أستاذه الكبير و الواصل. الحركة دي نفسها في الرواية عجبتني جدا، لأن التاريخ بيتكتب دايما من زاوية فوقية ، و لأن فيه زوايا كتير جدا محتاجين نشوف بيها التاريخ ( أو حتت منه على الأقل ) من أول و جديد ، مش بس زاوية الفقرا و المحرومين ، كمان زاوية الستات في لحظة ما ، زاوية الأقليات و المهمشين ، زاوية أسرى حرب ، زاوية كاتمة أسرار الملكة العلانية ، اتسترا اتسترا اتسترا .
3 – لغة الرواية كانت حريصة على الزمن اللي هي بتشتغل عليه، و كانت ظريفة جدا و هي بتعمل ده .
4 – العلاقة بين بولين الفرنسية و بين الولد المصري، تلميذ الجبرتي ، لم تنزلق للتنهدات و المشاعر و سهر الليالي و الحمد لله .
5 – حسيت إني بأتفرج على فيلم إيقاعه مشوق، على حد تعبير واحد كان قاعد جنبي في المترو و أنا بأقرا الرواية ، و قعد يقرا معايا يجي سبع محطات، لدرجة إني كنت بأخاف أقلب الصحة قبل ما أتاكد إنه خلاص قراها .

ليست هناك تعليقات: